هل كان أبو العباس السبتي دفين حي الزاوية العباسية بمراكش صاحب مشروع إحساني؟
كيف اعتبر أبو العباس السبتي أن التخلص من الثروة بالإنفاق هو المدخل إلى البر الأعظم ؟
ألا يمكن اعتبار أبي العباس السبتي هو أول مؤسس لمجتمع مدني متضامن في مراكش قبل تسعة قرون ؟
تلك أسئلة وما أكثر غيرها أجابت عنها بعمق و بتفصيل الندوة الفكرية التي أقامها المجلس العلمي المحلي بمراكش بكلية اللغة العربية يوم27 دجنبر 2014.
تحت عنوان
” أبو العباس السبتي و مشروعه الاحساني”
في مستهل كلمة الدكتور احمد التوفيق وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية و هو يؤطر الموضوع أشار إلى ان المجلس العلمي المحلي لمراكش وهو مؤسسة تابعة لمؤسسة دستورية هي المجلس العلمي الأعلى بإقامة هذه الندوة عن شخصية لها قبة ومزار تطرح إشكالا ينبغي أن يزول .
مدخله: إن العلم في الإسلام هو جملة معارف، وهي صناعة يمكن ان يحملها الإنسان بغض النظر عن دينه و أخلاقه.
ويكون العالم هو الذي له معارف في الدين و لديه موقف، و التزام، و يتلخص في التزامه بتوحيد الله و عدم الإشراك به، و العالم في الدين له التزام بما جاء في الدين و له سلوك مطابق لعلمه وهؤلاء الذين يعرفون بالصوفية هم الذين سعوا إلى تحقيق التوحيد. التوحيد يتحقق عند ربطه بالسلوك، فالتوحيد إذن هو وصل و اتصال . والصوفية عنده هي التوحيد المتحقق في الذات و تكمن أهمية مشروع ابي العباس السبتي التوحيدي في الربط بين العلم والسلوك. و يشير د. التوفيق إلى مرحلة تاريخية موحدية أصبح خلالها التصوف شعبيا اذ أصبحت الطبقات الشعبية فيه هي التي تؤطر العلماء و ليس العلماء هم مؤطروا هذه الفئات المتجلية خاصة في الحرفيين .وأصبح السلوك وقتها تابتا أساسيا وليس كماليا . فبرز ابو العباس السبتي يدعو في كل أوساط مدينة مراكش الى مذهب في التوحيد يتبلور في مذهبه في التضامن مع ذوي الحاجة و المعسرين وما يزال الى اليوم تقوم مؤسسته بالزاوية العباسية شاهدا حيا على ذلك “.ومما قيل في الموضوع، عـندما يملك الشخص المال فالمال هو الذي يملكه . ولا يمكن للشخص ان يتحرر إلا عندما يتحرر من المال .حتى قال احدهم لا أريد ان املك ( بفتح الهمزة) حتى لا املك ( يضم الهمزة و فتح اللام ).إن الأشياء تملك الإنسان معتقدا انه هو من يملكها. و يستدل د. التوفيق على هذا بمضمون الاية القرآنية التي تقول :” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ” مضيفا : أن السبتي يعتقد أن البر الأعظم هو التوحيد و أصبح مذهبه إذن هو السعي الى التخلص من التملك ويورد التوفيق استطرادا مفاده ان الدول الاسكندنافية اليوم تسعى الى ان تصبح الضريبة على الأرباح تبلغ 60% هذا في الوقت الذي ما يزال الناس فيه يتصارعون بجنون من اجل التملك و الثراء .فالفقر هو التفاوت الظالم في العيش . يا أيها الناس انتم الفقراء إلى الله “. فالسبتي هو شخص فتح بابا للتوحيد وبابا للعرفان. وبدعواته هاته بخصوص الثروة وضرورة توزيعها بعدل و إنصاف احدث ضجة اجتماعية وصل صداها الى الأندلس مما دعا بابي الوليد محمد ابن رشد الفقيه و الفيلسوف إلى ان يبعث بعبد الرحمان الخزرجي من الأندلس الى مراكش كي يرفع له تقريرا حول السبتي حيث جاءت خلاصته تقول قولة مأثورة ” هذا شخص مذهبه ان الوجود ينفعل بالجود”. وعندما يأتيه شخص يشكوه من شيء أصابه ، ينصحه بالتصدق فهو يرى ان آفة الوجود هي الشح و البخل ومنهما تأتي مشاكل الناس و البخل يأتي من الظلم و اعتبر السبتي ان التوحيد هو سبيل تحقيق الاستخلاف في الأرض. أي ان التوحيد هو السبيل لتحقيق الحكم و يضيف د. التوفيق عندما انتشرت الماركسية في القارة الاوروبية كان رد فعل المسيحيين هو ابتكار عقيدة جديدة تحررية تستند الى ثرات صلحائهم القدامى. وبعضهم كان متأثرا بمذهب ابي العباس السبتي ومات بعده بسنوات قليلة . معتبرين ان الأولوية يجب ان تعطى للفقراء حتى ان الباباوات مؤخرا يرون ان الكنيسة الارتدوكسيت تعاني عدة صعوبات من تبعات وأثار البذخ لكثرة ممتلكاتها وعائداتها وصلت حد الفحش و التخمة. وقد اعتبر المغاربة مند القدم أن مسالة التوحيد في مذهب أبي العباس السبتي تتلخص في السعي باستمرار إلى تحقيق العدل عن طريق قضاء مصالح الناس وهذا في نظر د. التوفيق ما يعمل عليه الوجود السياسي عن طريق الانتخابات و المجالس المنتخبة .فالوجود ينفعل بالجود.إن جرأة أبي العباس السبتي تتجلى في كونه تصدى بقوة لظاهرة التفاوت لاجتماعي المرتبط بالثروة و تملكها ولم يتوقف عند هذا الحد وحده بل انه أرسى دعائم مجتمع مدني في مراكش ينبني على مبدأ التضامن ومؤازرة ذوي الحاجة من المعاقين و المهمشين المعوزين ولهم ترك مع ذلك مشروعا احسانيا و الذي ادمجه في مذهبه الصوفي وعليه قامت الزاوية العباسية منذ أكثر من تسعة قرون إلى اليوم لم تتوقف عن دعم وحماية المعوزين ولها نظام دقيق مدون و لها مقدمون وحراس على حسن توزيع مداخيل صندوق الزاوية من ريع ممتلكات واسعة مرصودة لها في كل مدن المملكة. وخلال هذه الندوة التي تتبعها جمهور من رجال ونساء العلم و الفكر و الطلبة و المهتمين قدمت عروض قاربت العشرين عرضا وتم في نهايتها تكريم بعض الذين يساهمون في إثراء الثقافة و الفكر المغربيين بالانفتاح على الثرات الماضي في ثقافتنا ومن أُجَلّهم الأستاذ احمد شحلان الباحث و المتخصص في الثقافة العبرية والشرقية و الأستاذ محمد الادريسي معيار رئيس المجلس العلمي لمراكش.
محمد العمراني امين