عبد الرزاق القاروني
بتعاون مع المعهد الفرنسي بمراكش، تنظم الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين مراكش تانسيفت الحوز، خلال الفترة الممتدة من 16 أبريل إلى غاية 08 ماي 2015 بمقر الأكاديمية، معرضا للفنان التشكيلي محمد مرابطي، حول موضوع: “حوار الأبجديات”، تضمن قصائد شعرية، في الموضوع، للكاتب والشاعر الفرنسي ميشيل بوتور.
وحضر افتتاح هذا المعرض السيد أحمد بن الزي، مدير الأكاديمية، ونواب الوزارة بالجهة، ومجموعة من رؤساء الأقسام والمصالح بالأكاديمية، والعديد من الفعاليات التربوية على الصعيدين الوطني والجهوي.
وبهذه المناسبة، صرح الفنان مرابطي أنه لا يمكن أن نتحدث عن الثقافة والتشكيل أو أي شيء آخر إذا لم نكن نتوفر على تربية أساسية، تمكن من معرفة القراءة والكتابة والكلام، إضافة إلى فهم كنه الأشياء، مشيرا أن هذا المعرض يروم تنمية الجانب الإحساسي لدى الأستاذ والتلميذ والإنسان، بصفة عامة، وإثارة التساؤلات التي تؤدي إلى اكتشاف مجال صاف فيه الإبداع والتجديد، وطريقة مغايرة في التفكير.
وبخصوص مكانة التربية الفنية في البرامج والمناهج التعليمية الوطنية، أوضح أن هناك الآن حيزا لهذه التربية في تلك البرامج والمناهج، في حين أنه لم يكن لها خلال سنوات خلت حضور يذكر، داعيا، في إطار حركية الإصلاح التي تعرفها منظومة التربية والتكوين على صعيد الوطن، إلى العمل على برمجة مشاريع، من شأنها خلق نقاشات داخل فضاءات المؤسسات التعليمية.
وبدوره، أفاد السيد جون بيير لوبي، أستاذ اللغة الفرنسية ومكلف بالملف البيثقافي بأكاديمية أميان الفرنسية، ومرجع وطني للتربية البيثقافية لدى منظمة اليونسكو، أن هذا المعرض الذي يحمل عنوان: “حوار الأبجديات”، يدل على أن هناك علاقة صداقة عميقة جدا، وحوارا يتم الشروع فيه بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، المتمثلتين في المغرب وفرنسا، ويوجد وراءه، من جهة، الكاتب ميشيل بوتور، الذي يعبر بالكلمات عن صداقته وحبه لمدينة مراكش، ومن جهة أخرى، الفنان محمد مرابطي، الذي يترجم حبه لفرنسا من خلال إبداعاته التشكيلية.
وأضاف أن الغاية من تنظيم هذا المعرض بالأكاديمية هو إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من التلاميذ والأساتذة للاطلاع على هذا المعرض ومواكبته، مبرزا أن الفنان مرابطي لا يمكن تصنيفه في إحدى المدارس الفنية المعروفة، وأن همه هو الإبداع بهدف التعبير عن مكنوناته، والتواصل مع الآخرين.
والفنان محمد مرابطي، مزداد سنة 1968 بمراكش، ويعتبر من الأسماء التشكيلية العصامية بالمغرب. يعيش ويعمل بتحناوت، بضواحي مدينة مراكش، حيث شيد على مقربة من سفوح جبال الأطلس إقامته الإبداعية والثقافية، المسماة “المقام”.
وقد حاول الفعل الإبداعي لدى هذا الفنان مقاربة وملامسة عدة تجارب فنية، حيث حاور ذاكرة التراب، وبلاغة الجدار، إضافة إلى ثقافة الصحون الفضائية. وفي إطار التقارب الذي يجمع الشعر بالتشكيل، تفاعل وتعاون مرابطي مع عدة شعراء وأدباء، نذكر من بينهم: المعطي قبال، فيليب بيرا، مصطفى النيسابوري، عادل حجي وعبد الحق سرحان. ولهذا الفنان حضور عالمي متميز، حيث شارك في عدة معارض ببعض الدول العربية والأروبية والأمريكية، من بينها: الأردن، البحرين، فرنسا، إنجلترا والبرازيل.
وذات مرة، كتب الشاعر أدونيس احتفاء وتكريما لهذا الفنان: “هل تريد أن تكون صديقا للوحة المرابطي ؟
إذن، ينبغي أن تعرف،
كيف تعطي للتقنية نكهة الطبيعة،
وكيف تكون مرهفا ونفاذا،
كما لو أن لك حواس أخرى داخل حواسك”.
أما الشاعر والكاتب ميشيل بوتور، فقد ولد سنة 1926 بمدينة مون أون برول بشمال فرنسا. ويعد أحد رموز الرواية الفرنسية الجديدة، الذين أثاروا الكثير من الجدل بكتاباتهم المغايرة للمألوف في الرواية بعد الحرب العالمية الثانية. كتب العديد من الروايات، والدواوين الشعرية والدراسات النقدية، التي مكنته من الحصول على عدة جوائز، من أبرزها: جائزة فينيون، جائزة رونودو، جائزة ملارمي، جائزة النقد الأدبي، الجائزة الكبرى للشعراء، إضافة إلى الجائزة الكبرى للأدب الممنوحة من طرف الأكاديمية الفرنسية.
ويتعاون هذا الشاعر والكاتب، بصفة منتظمة، مع فنانين تشكيليين وفوتوغرافيين ونحاتين لإنجاز كتب فنية تؤرخ لهذا التعاون. ومن الفنانين العالميين الذين عمل معهم في هذا الإطار، نذكر: جورج بدان، بيير دومارن، أوليفيي ديلوم، كوليت دوبلي، باتريسيا إيربلدينغ، مارتين جاكمي، جونفييف بيس، وخديجة النيفر كورتوا. وعن سر انجذابه لممارسة النقد الفني، يقول بوتور بأن اللوحة التشكيلية تثير فضوله، وتجعله يشعر بالحيرة، مما يدفعه للكتابة عن الفن التشكيلي.
وعلى الصعيد الوطني، هناك تجارب إبداعية متميزة، من هذا النوع، تحاول خلق حوار بين اللوحة والقصيدة في تناغم كبير، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: تجربة كل من الفنان التشكيلي محمـد القاسمي والشاعر حسن نجمي في ديوان “الرياح البنية”، والفنان عباس صلادي والشاعر عبد الله زريقة في ديوان “تفاحة المثلث”، والفنان عبد الإله بوعود والشاعر أحمد العمراوي في ديوان “الينابيع”، والتشكيلي خليل غريب والشاعر المهدي أخريف في ديوان “ترانيم لتسلية البحر”، إضافة إلى تجربة الشاعرة عائشة البصري والفنان محمد بناني في ديوان “صديقي الخريف”.
إن هذا المعرض الذي تحتضنه أكاديمية جهة مراكش تانسيفت الحوز هو معرض تلاقح الثقافات، وتزاوج الشعر بالتشكيل، حيث تصبح اللوحة شعرا صامتا، والشعر رسما ناطقا. كما قال الشاعر الغنائي اليوناني سيمونيدس، نقلا عن زميله الشاعر هوراس، أو كما أوضح، في سياق آخر، الفنان الإيطالي الشهير ليوناردو دافينشي، الذي يقول: “إن الرسم شعر يرى ولا يسمع، وإن الشعر رسم يسمع ولا يرى”.