عبد العزيز السلامي
يجري المُصابين بحمى الإنتخابات والمهوسين بمنافعها، هذه الأيام، على قدم وساق للوصول أو العودة إلى نعيم مؤسسات تسمى عبثا في المغرب ب”المنتخبة”.
وتنفرد جماعات وبلديات الجهات الصحراوية الثلاث بمفارقات مثيرة، بالمقارنة مع باقي الجهات، حيث يتم صرف النظر عن وثيرة شراء الذمم، وحجم الأموال التي توزع بشكل ملفت في سوق النخاسة الجديد لتعبيد الطريق للنخب المنعم عليها، بالرغم من كونها هي من أدت إلى الكارثة الاقتصادية والإجتماعية التي تعيشها الصحراء وأبنائها وقضاياها، ورهنت إقلاع تنموي للمناطق الصحراوية لأزيد من 4 عقود من الزمن، وجعلت المجالس “المنتخبة” خارج أي تنمية هادفة ومجرد وسيلة لإهدار المال العام، فبمبرر حساسية المنطقة تُنهب ميزانيات ضخمة، ووجد رؤساء مجالس أنفسهم بمنأى عن أية مساءلة وإلا ما هو عدد لجان الإفتحاص التي ارسلتها الدولة الى بلديات مثل العيون أو الداخلة أو الطانطان، وحتى بعض البلديات التي حلت بها هذه اللجان لم يتم الكشف عن نتائجها !
بل أن الدولة أحدثت جماعات وبلديات فقط لإرضاء بعض خدامها وضمان تمثيليتهم في تدبير الشأن المحلي، فثمة جماعات بجهتي العيون وواد الذهب لاتتعدى ساكنتها الفعلية 600 نسمة، هذا دون الحديث عن تقطيع إنتخابي مخدوم لضمان خريطة إنتخابية معدة نتائجها سلفا.
وهذا هو الأفظع، فالدولة هاجسها التسويق الخارجي لأرقام نسب المشاركة، والهاجس الثاني هو ولاء “المنتخبين” للسياسات العمومية وللإختيارات السياسية والإقتصادية للدولة، وتجاهلت مسألة في غاية الأهمية، وهي أن المؤسسات المنتخبة أدوات للتنمية وتجسيد للديمقراطية التمثيلية، وأن ثمن الولاء وإرتفاع نسبة المشاركة لايجب أن يكون على حساب التنمية ومقابله تشريع الأبواب والأفئدة للمنتخبين للإغتناء في غياب أية رقابة شعبية أو مؤسساتية.
ولكن الأخطر من كل ذلك، أنه بقدر ما تنجح الدولة في تمرير هذه المواعيد الإنتخابية على مقاسها، و تنطلي هذه الديمقراطية الشكلية على البعض، إلا أن هكذا وضـــع يسائل حقيقة إرادة الدولة في تنزيل مشروع الجهوية الموسعة وينذر بأزمة خطيرة لعل أبرز تجلياتها عزوف واسع وفقدان الثقة في المؤسسات…وهو ما يجب الوعي به قبل فوات الأوان !
إن مصداقية المؤسسات المنتخبة في الصحراء، يعتبر من جهة رهانا لتجسيد السيادة الشعبية عبر مؤسسات منتخبة إنتخابا حرا ونزيها، لا تتحكم فيه رغبات السلطة وشراء الذمم، ومن جهة أخرى مكسبا لربح رهان وحدتنا الترابية ومجابهة خصوم مغربية الصحراء بنموذج ديمقراطي حقيقي يترافع لصالحه ممثلي الشعب، وليس مشروعا زائفا تتاجر فيه كائنات إنتخابية ونخب فاسدة أوصلها شراء الذمم الى كراسي المسؤولية وأوصلت الوطن إلى النفق المسدود وأصبحت أكبر عائق أمام تفعيل أدوار مؤسسات تعول عليها الشعوب لربح رهاناتها.
*رئيس تحرير موقع “الجمهور”