محمد فاضل دادي
اعجبتني شجاعة وبعد نظر الرئيس بوتفليقة عندما خاطب الجزائريين مؤكدا انه لا حل للمأساة الجزائرية والحرب الاهلية ولو دامت 100 سنة إلا بالمصالحة الوطنية و انه لا بد من انهاء حالة الحرب الاهلية وتجنيب الشعب الجزائري مزيدا من القتل والتشريد، لقد حكم العقل والمنطق والموضوعية، وكم كان محقا لما غلب مصلحة الشعب الجزائري و الجزائر على أي اعتبار آخر.
تابعت وتابع اغلب الصحراويين مثلي خطابات وتصريحات السيد عبد العزيز بوتفليقة وانتظرنا … و خيل الينا انه سيعمل بنفس المنطق ونفس التعقل والموضوعية في معالجة مسألة الصحراء وانه يشعر بما يكابده أهلنا في مخيمات اللاجئين على ارض الجزائر. وتمض الأيام و السنوات ،فلا 200 مليار دولار المكدسة في الخزينة الجزائرية اسعفت الكهول والرضع في مخيمات تندوف او حالت دون استخدام الاطفال في التسول و استجداء الدول الأوروبية من قبل البوليساريو. راودتنا أحلام ، بل هي آمال منينا بها النفس ، ان نرى سيادة الرئيس يخاطب قيادة البوليساريو بالجرأة و وضوح الرؤيا التي عهدناه بها قائلا : كفى تشريد كفى انتظار، كفى معاناة فمهما طال الزمن و مهما طال مقام اللاجئين الصحراويين بأرض الجزائر و مهما كابرتم لن يكون هناك حل لمشكل الصحراء سوى الحكم الذاتي، و لتسموه ما شئتم أو بما يناسب أهواءكم، فاتقوا الله في أناسكم و اتقوا الله في الجزائر. و بعبارة أوجز، ان يتجاوز النظر الى مسألة الصحراء من منظار العداء للمغرب و مدى صلاحيتها للاستعمال في هذا المضمار.
وخاب الأمل و جرت رياح قصر المرادية بما لم تشته سفن الصحراويين.
ان ما ولد و نمى هذا الأمل هو اليقين بأن الأمر لو حدث لكان في انسجام تام لن أقول مع التفكير و لكن مع القناعة العميقة لدى قصر المرادية و التي اكتشفناها قبل لقاء مراكش لما حذر الأمين العام للرئاسة وقتها المرحوم العربي بلخير اعضاء قيادة البوليساريو و اوصاهم حتى لا أقول امرهم بعدم استثناء أي صيغة للحل وذلك بعدما اكدوا انهم ذاهبون الى مراكش لمناقشة الاستقلال. و تجلى عمق القناعة هذه في تصريحات المرحوم الرئيس بوضياف ،و اليوم يتجدد على لسان عمار سعداني. و لا اظن ان هناك جدل او شك حول خلفية تصريحات الأمين العام لجبهة التحرير الوطني في حواره مع محطة النهار. لقد قال بان لديه رأي حول قضية الصحراء لن يفصح عنه خوفا من خروج الشارع و ثورته ما قد يحدث البلبلة و القلاقل.
في بداية الامر حيرني تصريح السيد سعداني باعتبار ان الوثيقة التي تعتمد عليها الجزائر في دعمها للبوليساريو هي المعاهدة الموقعة بين هذه الأخيرة و جبهة التحرير الوطني سنة 1975 ، و السيد سعداني تربى و كبر في احضان جبهة التحرير الوطني.
لكن ، سرعان ما تتبدد هذه الحيرة اذا ما عرفنا مدى قرب الأمين العام لجبهة التحرير الوطني من قصر المورادية و مدى قرب البوليساريو من القيادات الجزائرية المغضوب عليها او التي افل نجمها، و مدى اصطفاف كل طرف،عندها سنجد ان تصريحات السيد سعداني لها سياقها و تبعاتها و ليست سوى بداية لمأساة قادمة و ان تلك التصريحات لا يمكن فهمها خارج النسق التالي:
أولا: دأب السيد سعداني في السنوات الأخيرة على اطلاق تصريحاته النارية التي كانت دائما بمثابة التمهيد و التحضير للمعارك و عمليات التصفية التي يقوم بها قصر المرادية.
ثانيا: السيد سعداني اراد توجيه انذارات مبطنة و تحذير واضح الى بعض الجهات التي تزعج او لا تحظى برضى قصر المورادية و الى البوليساريو في آن واحد
ثالثا: السيد سعداني ابان بما لا يدع مجالا للشك بان له رأي مخالف و مناقض للخط الحالي للسياسة الرسمية الجزائرية فيما يخص مشكل الصحراء.
رابعا: من المحتمل جدا ان يندرج هذا التصريح في اطار التحضير لمعركة قادمة سيخوضها قصر المرادية ضد مراكز القوة داخل الجيش و وزارة الخارجية و ما تبقى من المخابرات العسكريةDRS ،و قد يستعمل فيها ملف الفساد و النهب الذي تعرضت له المساعدات الجزائرية المخصصة للبوليساريو على امتداد 40 سنة ، و الذي لم يستثن لا الإنساني منها و لا المالي و لا العسكري.
وإذا كانت قيادة البوليساريو قد انحازت الى جانب من اقصوا وحاكموا السيد بوتفليقة وتنكرت لما قدمه لها حين كان وزيرا للخارجية، فلا تستغرب اليوم اذا ما رد لها قصر المرادية الصاع صاعين و لا تستغرب اذا اقدم السيد سعداني على الغاء معاهدة الصداقة التي وقعتها مع جبهة التحرير الوطني . لقد تغير العالم من حولنا، و تغيرت الجزائر و تغيرت بوصلتها، و تغيرت جبهة التحرير الوطني وتغير رجالها، و الدوام لله.
فهل دقت ساعة تصفية الحسابات مع البوليساريو؟ إن غدا لناظره لقريب.
محمد فاضل دادي
قيادي سابق في البوليساريو عاد الى ارض الوطن