على بعد بضعة أشهر من استحقاق سابع أكتوبر، بدأت تتضح ملامح الحكومة التي ستفرزها هذه الانتخابات، وفق صيغة توافقية لم تكن شروط إنضاجها سهلة. صدى ما يتم ترديده داخل الغرف المغلقة للسياسيين المغاربة بالرباط، يشير إلى تحالف يوجد على رأسه حزب العدالة والتنمية مؤثث بحزب الاستقلال والاتحاد، مع تراجع كبير للحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار الذين لم يعد وجودهما مهما بالنسبة لصانعي القرار بالمغرب. وأوضح عبد الصمد بلكبير المحلل السياسي والمستشار الأسبق للوزير الأول الأسبق عبد الرحمان اليوسفي، إلى أن مؤشرات هذا التحالف اتضحت معالمه من خلال التصريحات الأخيرة التي أدلى بها عبد الإله ابن كيران من داخل المقر التاريخي لحزب الاتحاد الاشتراكي بالرباط. وكشف بلكبير في تصريح للجريدة 24، عن “هدية” قدمها ابن كيران لإدريس لشكر خلال حلوله ضيفا على مؤسسة أنشاها الحزب مؤخرا لتكون وسيلة عبور لهذا التحالف. الهدية بحسب المحلل السياسي، لم تكن سوى وقوف ابن كيران شخصيا وراء تخفيض العتبة من 6 في المائة إلى 3 في المائة حتى يسهل على لشكر ضمان مقعده في البرلمان الذي ستفرزه انتخابات 7 أكتوبر القادم. أي بصيغة أخرى هناك عملية “انعاش” للاتحاد الاشتراكي حتى يبقى صامدا داخل المشهد السياسي. ابن كيران وكابوس التجربة التونسية والجزائرية؟ كل المؤشرات والحسابات تشير إلى انه إذا أجريت الانتخابات وفق شروطها الحالية فان حزب العدالة والتنمية سيحصل على مقاعد تفوق تلك التي حصل عليها في انتخابات 2012، وبالتالي فهناك تخوف من تكرار التجربة التونسية والجزائرية التي أثرت فيها قوى إقليمية لم تكن تنظر بعين الرضا لتصدر الإسلاميين للمشهد السياسي بهذين البلدين. وبحسب المستشار الأسبق لعبد الرحمان اليوسفي، فان ابن كيران كان أذكى من إسلاميي تونس والجزائر، وارتأى الدخول في توافقات مع ” الدولة العميقة” بالمغرب لتجنب سيناريو ” الانقلاب كما حدث في تونس والجزائر، هذه الأخيرة التي تدخلت فيها فرسا بشكل خشن عندما أطلقت العنان للعسكر بالانقلاب على نتيجة الانتخابات. مقابل تنازلات ابن كيران، بالموافقة على وضع فرامل تحول دون حصول حزبه على مقاعد كثيرة في البرلمان، فانه ضمن بالمقابل أن يشكل تحالفا وفق شروط حزبه التي عبر عنها بعد انتخابات 2012 والتي كانت تتجه نحو أحزاب الكتلة. التحالف الذي ينشده ابن كيران يضم الاستقلال والاتحاد الذين يخضعان حاليا لما يسمى بعملية “إنعاش سياسي” تضمن تواجدهما ضمن الأحزاب الأولى في البرلمان التي ستفرزه انتخابات 7 أكتوبر. عملية التوافق همت أيضا حتى طبيعة الأجندة التي ستشتغل عليها الحكومة التي ستفرزها هذه الانتخابات وتهم الزيادة في قنينة الغاز، والتوظيف بالكونطرا بدل الصيغة الحالية المعمول في إدارات الدولة، ومجمل القضايا الخلافية التي تحتاج الى مكونات سياسية لها القدرة على ضبط الشارع. هل تم التخلي عن مشروع البام؟ عمليا يشير بلكبير، إلى تخلي الدولة عن مشروع البام، ولم يعد الرهان قائما عليه كما كان الأمر عليه في سنة 2007، وذلك سبب بسيط هو فشل نموذج التجربة التونسية التي قامت على أساس حزب أغلبي يتحكم في مفاصل الدولة والاقتصاد وباقي المؤسسات، هذه التجربة كان من نتائجها سقوط نظام بنعلي وتخبط تونس حاليا في اللاستقرار سياسي. ومقابل التخلي عن فكرة أن البام هو الذي يدير شؤون المغرب، فانه يتم تهييئه ليقود في المرحلة القادمة لمعارضة الشارع، فالحزب حاليا دخل في عملية استثمار كبرى في الإعلام المكتوب منه والالكتروني والتلفزي، كما يهيئ نفسه لتكون له اذرع شبابية ونقابية وجمعوية بنفس جديد يضمن له التأثير في حركة الشارع. فلم يعد خافيا على أن نواة البام الصلبة تقوم على عناصر يسارية، لها القدرة على المجابهة السياسية، وتأطير الشارع، إلى جانب الإمكانيات المادية الضخمة التي ستوضع بين أيديها. |
*عن ” الجريدة 24″