ملف الصفقات العمومية بوزارة التربية الوطنية: وأخيرا.. أضرضور يخضع للتحقيق حول ممارساته بأكاديمية التعليم بجهة الرباط
كانت أولى ردود الفعل التي تلت إثارة موضوع “التلاعب بالصفقات العمومية في وزارة التربية الوطنية” داخل البرلمان، هي قيام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء باستدعاء كل من الكاتب العام لوزارة التربية الوطنية السيد يوسف بلقاسمي، ومدير أكاديمية الرباط سلا القنيطرة السيد محمد أضرضور. وقد امتدت جلسات الاستماع للمسؤولين الساميين يوم السبت 23 يوليوز 2016، لأكثر من ثماني ساعات، من الثامنة صباحا إلى ما بعد الظهيرة، وليس إلى منتصف الليل كما ذكرت بعض المواقع الإخبارية.
ويأتي هذا التحقيق بعد الاتهامات الخطيرة التي أطلقها المستشار البرلماني عبد السلام اللبار (رئيس الفريق الاستقلالي)، والتي عنوانها الأبرز هو أن وزارة التربية الوطنية تحكمها عصابة”مافيوزية”، “متخصصة في الصفقات العمومية”، و”تتحكم في التعيينات في الوزارة على هذا الأساس”.
وللإشارة فإن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية كانت قد فتحت تحقيقا معمقا في الأشهر الأخيرة، في موضوع صفقات البرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم، الذي بلغت كلفته ما يقرب من خمسين مليار درهم، حيث تم استدعاء بعض المسؤولين بأكاديميات الرباط والدار البيضاء وغيرها، من أجل الاستماع إليهم.
ولا حديث للعاملين في الحقل التعليمي، وفي أوساط الرأي العام، إلا عما يجري داخل عدد من الأكاديميات التربوية بمختلف جهات المملكة، وعلى رأسها أكاديمية جهة الرباط سلا، القنيطرة، ومديرها محمد أضرضور، الذي تشير إليه أصابع الاتهام بما آلت إليه الأوضاع الخطيرة داخل الأكاديمية التي يرأسها منذ أربع سنوات. كما تتحدث بعض الألسنة عن تورطه في ما بات يعرف ب”ملف التنصتات الهاتفية”، وبكونه هو عرابها الأول، ومحرك خيوطها الأساسي من خلف الستار. ويأمل الرأي العام في هذا الصدد أن تكشف التحقيقات الحالية عن الحقيقة الكاملة غير منقوصة.
لكن الأنظار تتجه أيضا إلى اسمين رئيسيين من الأطر العليا لوزارة بلمختار، وهما المفتش العام السيد يوسف بلقاسمي والكاتب العام السيد حسين أقوضاض، وعن مدى دورهما وصلتهما بما يجري ويحدث من تجاوزات وخروقات فادحة داخل الوزارة. وهي التساؤلات التي تفضي بنا إلى طرح علامات استفهام كبرى مفادها هو:
– هل أقوضاض وبلقاسمي متورطان، وبالتالي يتحملان المسؤولية، أو قدرا كبيرا من المسؤولية في الفساد وفي الاختلالات الخطيرة المتصلة بسوء التدبير؟
– أم أن الخطأ الذي يشتركان فيه بخصوص هذه القضية يمكن اختصاره فقط فيما يجوز تسميته بالتهاون وبالإهمال؟ في كلتا الحالتين.. يصح لنا القول: العذر أقبح من الزلة.
– أين كان هؤلاء السادة الكبار: المفتش العام حسين أقوضاض، والكاتب العام يوسف بلقاسمي، ويونس بنعكي مدير الشؤون المالية والإدارية، والسيد عبد العالي أقرابا مدير الشؤون القانونية والمنازعات بالوزارة.. إزاء ما يجري ويحدث أمام أنظارهم من مخالفات واختلالات وخروقات وعلى مدى أعوام؟
– ماذا كان رد فعل كل واحد من المسؤولين المذكورين بعد توصلهم برسائل وشكاوى وتظلمات ممهورة بالتوقيعات الصريحة لأصحابها، والتي تشير إلى الاختلالات المتعلقة بالتسيير بشكل عام، أو بصفقة الحراسة التي أثارها المستشار البرلماني اللبار مدعومة بالوثائق؟
– ما هي الملاحظات والقرارات التي يمكن يا ترى قد سجلها كل واحد من المفتش العام والكاتب العام حول تقرير المفتش التربوي حول الصفقة المرموز لها بالرمز: 2014/E21، والمتعلقة بالعتاد الديداكتيكي، الموجهة للشركة التي كان يتعامل معها السيد أضرضور، قبل وأثناء وبعد البرنامج الاستعجالي، وهي شركة “بارشمان تكنيك”، التي تعد الزبون المفضل لمدير أكاديمية مكناس سابقا، أكاديمية الرباط حاليا. وهو التفضيل الذي أهلها لنيل حصة الأسد في مكناس ، أي في الصفقة الوطنية الكبرى التي همّت أربعة عشر جهة في التقسيم الجهوي القديم.
– لماذا لم تحرك المفتشية العامة ساكنا بعد ظهور تقرير الافتحاص الذي أنجزه مكتب الخبرة Kpmg والذي وضع الأصبع على الاختلالات على مستوى المركز والأكاديميات والنيابات؟
– لما أهملت المفتشية العامة تقرير الافتحاص الذي أشرف عليه قضاة المجلس الأعلى للحسابات حول مشروع “جيني” الذي استثمرت فيه أموال طائلة منذ سنة 2007 ولم يظهر له أي أثر يذكر على المنظومة التعليمية؟
– لماذا لم يهتم السيد أقوضاض بالتقارير المشار إليها، في الوقت الذي اهتمت بها لجنة التفتيش العام بوزارة المالية، وأدلت في شأنها بملاحظاتها؟
– لماذا كان جزاء المفتش الذي نبه في تقريره إلى تلك الاختلالات المذكورة هو العقاب والإقصاء؟
– لماذا كان الإهمال التام هو الجواب الذي تم الرد به على صاحبة الشركة المتضررة، والتي توجهت إلى المفتش العام أقوضاض وراسلته مرارا، واستنجدت به من أجل إنصافها..
نعم لقد حظيت المعنية باستقبال السيد المفتش العام واستمع إلى شكايتها، لكن من دون أن يتخذ ما يلزم؟
– لماذا قام السيد أقوضاض بتعبئة كتيبة دونكيشوطية على إثر نشر ما يعرف ب”ملف التنصتات الهاتفية”، وانغمر في محاربة طواحين الهواء والأشباح، ولم يحرك ساكنا فيما هو ملموس ومادي وواضح أمامه بالدلائل والحجج الموثقة؟
أما “ملف التنصتات التيلفونية” فقد اعتقل المتورطان بتنفيذه (رجل وامرأة)، وقالت العدالة كلمتها في الملف، بالسجن مع الغرامة في حقهما، من دون الإفصاح عن المدبر الحقيقي للمكيدة، والذي كشفت التنصتات غير المنشورة عن اسمه الحركي، وهو “خونا في الله”.
– هل من باب الصدفة وحدها والطرافة أن يطلق البعض هذا الاسم الحربي على المسؤول الأول في أكاديمية العاصمة؟ بل إن صاحبة الشركة المتضررة أفصحت عن اسم أضرضور كاشفة عن لغز “خونا في الله”، وذلك في تصريحاتها سواء للصحافة (يومية “الصباح”)، أو أمام الشرطة القضائية والمحكمة في قضية متابعة المتهمين بملف “التسريبات التيلفونية”.
– لماذا تحولت وزارة التربية الوطنية إلى ثكنة مسورة بالرعب وبأساليب التعسف وبالمنهجية الديكتاتورية في التعامل مع موظفيها، وأضحى الخاضعون للتفتيش مثلا يحرمون من أبسط حقهم في الاطلاع على التقرير الذي يعنيهم وإبداء ملاحظاتهم بشأن مضمونه، فحق الرد مغيب، في حين أن مؤسسة دستورية كبرى كالمجلس الأعلى للحسابات تكفل هذا الحق،
هي أسئلة.. غيض من فيض الأسئلة التي تثار في ملف ضخم يحمل الآن عنوان: “التلاعب بالصفقات العمومية بوزارة التربية الوطنية”، وقد يتخذ هذا الملف الشائك عناوين أخطر وأشد إزعاجا في القادم من الأيام، عناوين تهمّ المنظومة التعليمية ككل وتراجع مستواها (المغرب في الرتب الدنيا بشأن جودة التعليم)، كما تهم الأمن القومي، وقد تعصف برؤوس كبيرة ظنت أنها ستبقى دائما في منأى عن المحاسبة والمساءلة.
وإن غدا لناظره لقريب.
عبد الكبير أزروال