سياسةعام

لمصلحة من هذا الاحتقان السياسي؟

أحمد الشهبوني*  

 

مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية تشهد الساحة السياسية المغربية احتدادا في الصراع و التصعيد بين حزبي العدالة و التنمية و الأصالة و المعاصرة. فما هي رهانات هذا التصعيد و ما هي مبرراته؟ .

في هذه المقالة المختصرة سأحاول في البدء التذكير بالمعطيات الأساسية الآتية :

  • المغرب شهد تحولا تاريخيا في الانتخابات البرلمانية السابقة حيث لأول مرة في تاريخ التجربة الديمقراطية المغربية يفوز حزب معارض نما بتدرج ، بعدد كبير من المقاعد البرلمانية و يحتل المرتبة الأولى بفارق كبير جدا و يشكل الحكومة. أكيد أن هذا الفوز لم يكن مفاجئا حيث أن الظرفية السياسية للمغرب غداة أحداث 20 فبراير و رغبة الدولة في إعطاء نفس جديد للمشهد السياسي سمحت بهذا الفوز.
  • التحول التاريخي بالنسبة لي و الأهم، الذي شهده المغرب هو ما حصل في الانتخابات الجماعية الأخيرة حيث فاز حزب العدالة بمجالس جل المدن المغربية من طنجة إلى أكادير مرورا بالعاصمة الإدارية و العاصمة الاقتصادية و فاس و مراكش… إنه حدث تاريخي بامتياز و لم يسبق لأي حزب أن بسط هيمنته بهذا الشكل بما فيهم الأحزاب التي انبثقت من دهاليز المخزن.

كل هذه التحولات الكبرى في تاريخ الديمقراطية المغربية الحديثة نسبيا أقر ت بها جميع مكونات البلاد و حصل حولها توافق ما.

إن هذه المعطيات تؤكد بدون جدال أن المستفيد الأول من مغرب ما بعد 20 فبراير هو حزب العدالة و التنمية.

  • في أفق انتخابات 7 أكتوبر التشريعية :

إن فوز العدالة و التنمية في الانتخابات الجماعية السابقة و رئاسته لجل المدن المغربية، فتح أمامه أوراشا كبرى و وضع على عاتقه مسؤولية تاريخية كبرى تتجلى في إعادة الاعتبار للشأن المحلي و تأهيل هذه المدن التاريخية حتى تشكل قاطرة حقيقية للتنمية و هذا يتطلب مجهودات جبارة تبدأ بالانفتاح على الأطر                 و الطاقات المحلية المنزوية و التي أبعدتها عن المساهمة في الشأن العام سلوكيات أغلب المشرفين سابقا على الشأن المحلي. ثم أنه يتوجب تعبئة بعض الأطر المغربية المهاجرة و تحفيزها للعودة حتى تستفيد المدن من خبرتها و شبكة العلاقات الدولية التي نسجتها خلال مقامها في الخارج.

إن نجاح العدالة و التنمية في تسيير مند المغرب الكبرى رهين كذلك بإنشاء مراصد محلية تحت إشراف أطر محلية نزيهة، كفأة و مستقلة لتتبع و تقييم البرامج و المشاريع التي يتم إقرارها من طرف المجالس الجماعية بهدف ليس فقط ضمان نجاح هاته البرامج بجودة عالية و بأقل تكلفة ممكنة، بل أن هاته المراصد قد تلعب دورا وقائيا ضد أي انحراف لبعض المنتخبين ذوي النفوس الضعيفة.

 في اعتقادي ورش المدن هذا ورش تاريخي و من المحتمل أن يعمر طويلا إن تم تدبيره بحكمة و بمقاربة تشاركية حيث أن التسيير الجيد للمدن في الديمقراطيات العريقة هو السر في مكوث عمدتها لعدة ولايات متتالية.

أعتقد و بغض النظر عن نتائج الانتخابات التشريعية القادمة أن حزب العدالة و التنمية إن كرس كل جهوده لورش المدن المغربية و توفق في تسييرها و تأهيلها سيكون قد أسدى خدمة تاريخية هائلة للمغرب                       و للمغاربة، ليس فقط في ضمان استقراره بل كذلك في نهضته الاقتصادية و الاجتماعية .

 

  • عودة إلى انتخابات أكتوبر القادمة :

في البداية ينبغي التذكير أن حزب العدالة و التنمية الذي فاز في استحقاقات نونبر 2011 البرلمانية كان شبه غائبا عن تسيير المدن المغربية أما اليوم فهو سيخوض الانتخابات التشريعية و هو متربع على كراسي جل المدن الغربية.

إنني أعتقد أن المرحلة الانتقالية التي يمر منها المغرب و التي لازالت تتميز بضعف المشاركة الشعبية في الاستحقاقات و عزوف المثقفين و النخب التقنقراطية عن العملية السياسية زيادة على التوازنات الاجتماعية التي لا تسمح لحزب واحد أن يهيمن لوحده على الحكومة و على جل المدن المغربية. إضافة إلى هذا، هنالك عدة جهات وازنة ليست راضية على حزب العدالة أذكر منها رجال الأعمال و جل النقابات الأكثر تمثيلية علاوة على مكونات المغرب العميق خارج المدن (انتخابات مجالس الجهات تؤكد هذا المنحى).

و أنا أحرر هذه المقالة، تذكرت تجربة الإسلاميين في مصر الذين لهم تجربة و تجدر في المجتمع المصري يفوق بكثير موقع الإسلاميين في المغرب. لقد فازوا بأغلبية المقاعد البرلمانية في أول تجربة ديمقراطية في أرض الكنانة، و لما جاء موعد الاستحقاق الرئاسي نصحهم بعض العقلاء بألا يجمعوا كل سلط البلاد في أيديهم، فمصر حديثة الانتقال نحو الديمقراطية و المجتمع المصري و مؤسساته العريقة لن تسمح بهيمنة حزب إسلامي على كل السلط لكنهم لم يتعضوا فحدث ما حدث و خسر الإسلاميون و الوطن المصري.

أما عندنا في المغرب فعمليا  و دستوريا يستحيل أن يتحكم أي حزب لوحده في السياسة الحكومية مهما كان عدد برلمانييه حيث أن دور المؤسسة الملكية يظل هو الموجه الأساسي في جل الأوراش الكبرى للبلاد.    
ثم أنه و على خلاف مرحلة الملك الراحل الحسن الثاني التي تميزت بإقصاء و مضايقة أحزاب الحركة الوطنية على حساب أحزاب الإدارة فإن العهد الجديد قبل بمشاركة كل الأحزاب و فتح باب المساهمة أمامها في تسيير دقة الحكم.

في ظل هذه الخصوصية المغربية التي فضل فيها جميع الفرقاء الأساسيين التعايش و التوافق و هو ما ضمن لبلادنا الاستقرار ما فائدة هذا التصعيد في أفق الانتخابات بين الحزبين الرئيسيين و لمصلحة من؟.                                                                                     

* أستاذ باحث، جامعة القاضي عياض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى